فصل: المسألة الأولى: ما تدل عليه الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

.قال في صفوة التفاسير:

البلاغة:
1- قوله: {لا يستحيي أن يضرب مثلا ما} من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، والمعنى: لا يترك فعبر بالحياء عن الترك، لأن الترك من ثمرات الحياء، ومن استحيا من فعل شيء تركه.
2- قوله: {ينقضون عهد الله} فيه استعارة مكنية حيث شبه العهد بالحبل، وحذف المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو النقض، على سبيل الاستعارة المكنية.
3- قوله: {كيف تكفرون بالله} في الآية حسن بيان، فهي من باب الالتفات للتوبيخ والتقريع، فقد كان الكلام بصيغة الغيبة، ثم التفت فخاطبهم بصيغة الحضور، وهو ضرب من ضروب البديع.
4- قوله: {عليم} من صيغ المبالغة، ومعناه الواسع العلم الذي أحاط علمه بجميع الأشياء، قال أبو حيان: وصف تعالى نفسه بعالم وعليم وعلام وهذان للمبالغة، وقد أدخلت العرب الهاء لتأكيد المبالغة في علامة ولا يجوز وصفه به تعالى، لأن أسماءه توقيفية، حسب النص الشرعي الوارد. اهـ.

.قال في إشارات الإعجاز:

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}.
اعلم! أن لهذه الآية ايضًا الوجوه الثلاثة العظيمة:
أما نظم المجموع بالسابق فهو: أن في الآية الأولى انكار الكفر والكفران بالدلائل الانفسية وهي أطوار البشر، وفي هذه الآية إشارة إلى الدلائل الآفاقية.. وكذا في الأولى إشارة إلى نعمة الوجود والحياة، وفي هذه الآية إلى نعمة البقاء.. وكذا في تلك دليل على الصانع ومقدمة للحشر، وفي هذه إشارة إلى تحقيق المعاد وازالة الشبه كأنهم يقولون: اين للإنسان هذه القيمة؟ وكيف له تلك الأهمية؟ وما موقعه عند الله حتى يقيم القيامة لأجله؟ فقال القرآن باشارات هذه الآية: أن للإنسان قيمة عالية بدليل أن السموات والأرض مسخرة لاستفادته، وكذا أن له أهمية عظيمة بدليل أن الله لم يخلق الإنسان للخلق بل خلق الخلق له، وأن له عند خالقه لموقعا بدليل أن الله تعالى لم يوجد العالم لذاته بل اوجده للبشر وأوجد البشر لعبادته. فانتج أن الإنسان مستثنى وممتاز لا كالحيوانات فيليق أن يكون مظهرًا لجوهرةِ {ثم إليه ترجعون}.
وأما نظم جملة جملة، فاعلم! أن لفظ {جميعا} في الجملة الأولى ولفظ {ثم} في الثانية ولفظ {سبع} في الثالثة تقتضي تحقيقًا. فلنتكلم عليها في ثلاث مسائل:

.المسألة الأولى: ما تدل عليه الآية:

إن قلت: أن هذه الآية تدل على أن جميع ما في الأرض لاستفادة البشر فكيف يتصور استفادة زيد مثلا من كل جزء من أجزاء الأرض؟ وحبيب وعلي كيف يستفيدان من حجر في قعر جبل في وسط جزيرة في البحر المحيط الكبير؟ وكيف يكون مال زيد لاستفادة عمرو؟ مع أن الآية باشارات أخواتها تشير أن لكل فردٍ الجميعَ لا التوزيع. وكذا كيف تكون الشمس والقمر وغيرهما مع تلك العظمة لزيد وعمرو والعلة الغائية فيها الفائدة الجزئية لهما؟ وكيف تكون المضرات لاستفادة البشر مع أنه لا مجازفة في القرآن ولاتليق المبالغة ببلاغته الحقيقية؟
قيل لك: تأمل في ست نقاط يتطاير عنك الأوهام:
الأولى: أن خاصية الحياة كما مر تصيّر الجزء كلا والجزئي كليا والمنفرد جماعة والمقيد مطلقا والفرد عالمًا، فيصير الأنواع كقوم ذي حياة والدنيا بيته ويكون له مناسبة مع كل شيء.
والثانية: أن في العالم كما علمت نظاما ثابتا واتساقا محكما ودساتير عالية وقوانين أساسية مستمرة فيكون العالم كساعة أو ماكينة منتظمة. فكما أن كل دولاب منها بل كل سنّ من كل دولاب بل كل جزء من كل سنّ له دخلٌ ولو جزئيا في نظام الماكينة، وكذا له تأثير في فائدة الماكينة ونتيجتها بواسطة نظامها؟ كذلك لوجوده دخل في فائدة أهل الحياة الذين سيّدهم ورئيسهم البشر.
والثالثة: انه- كما قرع سمعك فيما مضى- لا مزاحمة في وجوه الاستفادة، فكما أن الشمس بتمامها لزيد وأن ضياءها روضة وميدان لنظره؛ كذلك بتمامها مُلك لعمرو وجنة له. فزيد مثلا لو كان في العالم وحده كيف تكون استفادته؛ كذلك إذا كان مع كل الناس لا ينقص منها شيء إلا فيما يعود إلى الغارين.
والرابعة: أن الكائنات ليس لها وجه رقيق فقط، بل فيها وجوه عمومية مختلفة طبقا على طبق، ولفوائدها جهات كثيرة عمومية متداخلة، وطرق الاستفادة متعددة متنوعة. مثلًا: إذا كان لك روضة تستفيد منها بجهة ويستفيد الناس بجهة أخرى، كالاستلذاذ بالقوة الباصرة. ولاجرم أن استفادة الإنسان تحصل بحواسه الخمس الظاهرة وبحواسه الباطنة وبجسمه وبروحه وكذا بعقله وقلبه وكذا في دنياه وفي آخرته وكذا من جهة العبرة وقس عليها.. فلا مانع من استفادته بوجه من هذه الوجوه من كل ما في الأرض بل العالم.
والخامسة: أنه:
إن قلت: هذه الآيات مع آيات اُخر تشير إلى أن هذه الدنيا العظيمة مخلوقة لأجل البشر وجعل استفادته علة غائية لها. والحال أن زحل الأكبر من الأرض ليست فائدتها بالنسبة إلى البشر إلا نوع زينة وضياء ضعيف فكيف يكون علة غائية؟
قيل لك: أن المستفيد يفنى في جهة استفادته وينحصر ذهنُه في طريقها وينسى ما عداها وينظر إلى كل شيء لنفسه ويحصر العلة الغائية على ما يتعلق به. فإذا لا مجازفة في الكلام الموجَّه إلى ذلك الشخص في مقام الامتنان بأن يقال: أن زحل الذي أبدعه خالقه لألوفِ حِكَمٍ، وفي كل حكمة ألوفُ جهاتٍ، وفي كل جهة ألوفُ مستفيدٍ العلة الغائية في إبداعه جهة استفادة ذلك الشخص.
والسادسة:- وقد نبهت عليه- أن الإنسان وأن كان صغيرًا فهو كبير، فنفعه الجزئيّ كليّ فلا عبثية.

.المسألة الثانية: في ثم:

اعلم! أن هذه الآية تدل على أن خلق الأرض قبل السماء، وأن آية: {والأرضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحيهَا} تدل على أن خلق السماء قبل الأرض، وأن آية: {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْناهُمَا} تدل على انهما خلقتا معا وانشقتا من مادة.
واعلم ثانيا: أن نقليات الشرع تدل على أن الله تعالى خلق اوّلا جوهرةً- أي مادة- ثم تجلى عليها فجعل قسما منها بخارا وقسما مائعا. ثم تكاثف المائع بتجلِّيه فأزبد. ثم خلق الأرض أوسبع كرات من الأرضين من ذلك الزبد فحصل لكل أرض منها سماء من الهواء النسيميّ. ثم بسط المادة البخارية فسوّى منها سموات زرع فيها النجوم فانعقدت السموات مشتملة على نويات النجوم. وأن فرضيات الحكمة الجديدة ونظرياتها تحكم بأن المنظومة الشمسية أي مع سمائها التي تسبح فيها كانت جوهرًا بسيطًا ثم انقلب إلى نوع بخار ثم تحصل من البخار مائع ناريّ ثم تصلب بالتبرد منه قسم ثم ترامى ذلك المائع الناري بالتحرك شرارات وقطعات انفصلت فتكاثفت فصارت سيّارات منها أرضنا هذه.
فإذا سمعت هذا يجوز لك التطبيق بين هذين المسلكين لأنه يمكن أن يكون آية كانتا رتقا ففتقناهما إشارة إلى أن الأرض مع المنظومة الشمسية كانت كعجين عجنته يد القدرة من جوهر بسيط أعني مادّة الاَثِير التي هي كالماء السيّال بالنسبة إلى الموجودات فتنفذ جارية بينها. وآية وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ إشارة إلى هذه المادة التي هي كالماء. والاثير بعد خلقه، هو المركز لأوّل تجلِّي الصانع بالايجاد، أى فخلق الأثير ثم صيّره جواهرَ فردةً ثم جعل البعض كثيفًا، ثم خلق من الكثيف سبع كرات مسكونة منها ارضنا. ثم أن الأرض بالنظر إلى كثافتها وتصلبها قبل الكل وتعجيلها في لبس القشر وصيرورتها من زمان مديد منشأ الحياة مع بقاء كثير من الاجرام السماوية إلى الآن مائعة نارية تكون خلقتها وتشكلها من هذه الجهة قبل خلق السموات. ولما كان تكمل منافعها ودحوها- أي بسطها وتمهيدها لتعيّش نوع البشر- بعد تسوية السموات وتنظيمها تكون السموات اسبقَ من هذه الجهة مع الاجتماع في المبدأ. فالآيات الثلاث تنظر إلى النقاط الثلاث.
الجواب الثاني: أن المقصد من القرآن الكريم ليس درس تاريخ الخلقة، بل نزل لتدريس معرفة الصانع. ففيه مقامان: ففي مقام بيان النعمة واللطف والمرحمة وظهور الدليل تكون الأرض اقدمَ، وفي مقام دلائل العظمة والعزة والقدرة تكون السموات أسبق.. ثم أن {ثم} كما تكون للتراخي الذاتيّ تجئ للتراخي الرتبي ف {ثم استوى} أي ثم اعلموا وتفكروا أنه استوى.

.المسألة الثالثة: في {سبع}:

اعلم! أن الحكمة العتيقة قائلة بأن السمواتِ تسعة، وتصورها أهلُها بصورة عجيبة، واستولى فكرُهم على نوع البشر في اعصار. حتى اضطر كثير من المفسرين إلى إمالة ظواهر الآيات إلى مذهبهم. وأما الحكمة الجديدة فقائلة بأن النجوم معلَّقة في الفضاء والخلو كأنها منكِرة لوجود السماء. فكما أفرطت إحداهما فرّطت الأخرى. وأما الشّريعة فحاكمة بأن الصانع جل جلاله خلق سبع سموات وجعل النجوم فيها كالسَّماك تسبح. والحديث يدل على أن السماء موج مكفوف وتحقيق هذا المذهب الحق في ست مقدمات.
الأولى: أنه قد ثبت فنّا وحكمة أن الفضاء الوسيع مملوء من الأثير.
والثانية: أن رابطة قوانين الأجرام العلوية وناشر قوى أمثال الضياء والحرارة وناقلها مادة موجودة في الفضاء مالئة له.
والثالثة: أن مادة الأثير مع بقائها اثيرًا لها كسائر المواد تشكلات مختلفة وتنوعات متغايرة كتشكل البخار والماء والجمد.
والرابعة: أنه لو أمعن النظر في الاجرام العلوية يُرى في طبقاتها تخالف. ألا ترى أن نهر السماء المسمى بكَهْكَشان المرئيّ في صورة لطخة سحابية إنما هو ملايينَ نجومٍ أخذت في الانعقاد. فصورةُ الأثير التي تنعقد تلك النجوم فيها تخالف طبقة الثوابت البتة، وهي أيضًا تخالف طبقات المنظومة الشمسية بالحدس الصادق وهكذا إلى سبع منظومات.
والخامسة: أنه قد ثبت حدسا واستقراء أنه إذا وقع التشكيل والتنظيم والتسوية في مادة تتولد منها طبقات مختلفة كالمعدن يتولد منه الرماد والفحم والألماس.. وكالنار تتميز جمرًا ولهبا ودخانا، وكمزج مولّد الماء مع مولّد الحموضة يتشكل منه ماء وجمد وبخار.
والسادسة: أن هذه الامارات تدل على تعدد السموات. والشارع الصادق قال هي سبعة، فهي سبعة على أن السبع والسبعين والسبع مائة في أساليب العرب لمعنى الكثرة.
والحاصل: أن الصانع جل جلاله خلق من مادة الأثير سبع سموات فسوّاها ونظّمها بنظام عجيب دقيق وزرع فيها النجوم وخالف بين طبقاتها.
اعلم! إنك إذا تفكرت في وُسْعة خطابات القرآن الكريم ومعانيه ومراعاته لافهام عامة الطبقات من أدنى العوام إلى أخص الخواص ترى أمرًا عجيبًا. مثلًا: من الناس من يفهم من سبع سموات طبقات الهواء النسيمية.. ومنهم من يفهم منه الكرات النسيمية المحيطة بأرضنا هذه وأخواتها ذوات ذوي الحياة.. ومنهم من يفهم منه السيّارات السبع المرئية للجمهور.. ومنهم من يفهم منه طبقات سبعة اثيرية في المنظومة الشمسية.. ومنهم من يفهم منه سبع منظومات شموسية أولاها منظومة شمسنا هذه.. ومنهم من يفهم منه انقسام الأثير في التشكل إلى طبقات سبعة كما مر آنفا.. ومنهم من يرى جميع ما يُرى مما زُيّن بمصابيح الشموس والنجوم الثوابت سماء واحدة. هي السماء الدنيا وفوقها ست سموات اُخر لاترى.. ومنهم من لايرى انحصار سبع سموات في عالم الشهادة فقط بل يتصورها في طبقات الخلقة في العوالم الدنيوية والأٌخروية والغيبية.. فكل يستفيض بقدر استعداده من فيض القرآن ويأخذ حصته من مائدته فيشتمل على كل هذه المفاهيم.
واعلم! أن الجملة الأولى: أعني هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا نظمها بخمسة أوجه:
الأول: أن الآية الأولى إشارة إلى نعمة الحياة والوجود، وهذه تشير إلى نعمة البقاء وأسبابه.
والثاني: أنه لما اثبتت الأولى للبشر أعلى المراتب أعني الرجوع إليه تعالى تنبه ذهن السامع للسؤال باين لهذا الإنسان الذليل استعداد لهذه المرتبة العالية إلاّ أن يكون بفضله تعالى وجذبه؟.
فكأن هذه الجملة تقول مجيبة عن ذلك السؤال أن للإِنسان عند خالقه الذي سخر له جميع الدنيا لموقعا عظيما.
والثالث: أنه لما أشارت الأولى إلى وجود الحشر والقيامة للبشر ذهب السامع إلى سؤال: ما أهمية البشر حتى تقوم القيامة لأجله ويخرب العالم لسعادته؟ فكأن هذه الجملة تجيبه بأن من هُيّئَ جميع ما في الأرض لاستفادته وسُخّر له الأنواع له أهمية عظيمة تشير إلى أنه هو النتيجة للخلقة.
والرابع: أن الأولى اشارت باليه ترجعون إلى رفع الوسائط وانحصار المرجعية فيه تعالى. والحال أن للبشر في الدنيا مراجع كثيرة، فهذه الجملة تقول أيضًا أن الأسباب والوسائط تشفّ عن يد القدرة، وأن المرجع الحقيقي في الدنيا إنما هو الله تعالى وإنما توسطت الأسبابُ لحِكَم فإنه تعالى هو الذي خلق للإِنسان كل ما يحتاج اليه.
والخامس: أن الأولى لما اشارت إلى السعادة الأبدية أشارت هذه إلى سابقةِ فضلٍ يستلزم تلك السعادة ذلك الفضلُ أي من أحسن إليه جميع ما في الأرض لحقيقٌ بأن يعطى له السعادة الأبدية.
وجملة ثم استوى إلى السماء نظمها بأربعة أوجه.
الأول: أن السماء رفيقة الأرض لا يَتصورُ الأرضَ أحدٌ إلاّ ويخطر في ذهنه السماء.
والثاني: أن تنظيم السماء هو المكمِّل لوجه استفادة البشر مما في الأرض.
والثالث: أن الجملة الأُولى اشارت إلى دلائل الاحسان والفضل وهذه تشير إلى دلائل العظمة والقدرة.
والرابع: أن هذه الجملة تشير إلى أن فائدة البشر لا تنحصر على الأرض بل السماء أيضًا مسخرة لاستفادته.
ونظم جملة: {فسوّيهن سبع سموات} بثلاثة أوجه.
الأول: أن ربطها بالأُولى كربط فيكون مع كن.
والثاني: أنه كربط تعلق القدرة بتعلق الإرادة.
والثالث: أنه كربط النتيجة بالمقدمة.
ونظم جملة {وهو بكل شيء عليم} بوجهين:
أحدهما: إنها دليل لِمّي على التنظيم السابق كما أن التنظيم السابق دليل إِنّيّ عليها؛ إذ الاتساق والانتظام يدلان على وجود العلم الكامل كما أن العلم يفيد الانتظام.
والآخر: أن الجملة الأولى تدل على القدرة الكاملة وهذه على العلم الشامل.
أما نظم هيئآت جملة جملة: ففي الجملة الأولى الاستيناف وتعريف الجزئين وتعريف الخبر ولام {لكم} وتقديم {لكم} ولفظ {في} ولفظ {جميعا}:
أما الاستيناف فإشارة إلى أسئلة مقدرة وأجوبة قد نبهت عليها في الاوجه الخمسة لنظم الجملة الأولى.. وأما تعريف الجزئين فإشارة إلى التوحيد والحصر الذي هو دليل على الحصر في تقديم {اليه} في {ثم إليه ترجعون}. وأما تعريف الخبر فإشارة إلى ظهور الحكم.. وأما لام النفع في {لكم} فإشارة إلى أن الأصل في الأشياء الاباحة وإنما تعرض الحرمة للعصمة: كمال الغير. أو للحرمة: كلحم الآدميّ. أو للضرر: كالسم. أو للاستقذار: كبلغم الغير. أو للنجاسة: كالميتة.. وكذا رمز إلى وجود النفع في كل شئ، وأن للبشر ولو بجهة من الجهات استفادة ولو بنوع من الأنواع ولو في أحقر الأشياء ولا أقل من نظر العبرة، وكذا إيماء إلى أنه كم من خزائن للرحمة مكنوزة في جوف الأرض تنتظر أبناء المستقبل.. وأما تقديم {ولكم} فإشارة إلى أن جهة استفادة البشر أقدم الغايات وأولاها وأولها.. وأما {ما} المفيدة للعموم فللحث على تحرِّي النفع في كل شيء.. وأما {في الأرض} بدل على الأرض مثلا، فإشارة إلى وجود أكثر المنافع في بطن الأرض، وكذا تشجيع على تحرِّي ما في جوفها.. ويدل تدرج البشر في الاستفادة من معادن الأرض وموادها على أنه يمكن أن يكون في ضمنها مواد وعناصر تخفف عن كاهل أبناء الاستقبال ضغطَ تكاليف الحياة من الغذاء وغيره.. وأما {جميعا} فلرد الأوهام في عبثية بعض الأشياء.
وأما {ثم} في الجملة الثانية فإشارة إلى سلسلة من أفعاله تعالى وشئونه بعد خلق الأرض إلى تنظيم السماء.. وكذا رمز إلى تراخي رتبة التنظيم في نفع البشر عن خلقة الأرض.. وكذا إيماء إلى تأخره عنها. وأما {استوى} ففيه ايجاز، أي: أراد أن يسوّي.. وكذا فيه مجاز أي كمن يسدد قصده إلى شيء لا ينثني يمنةً ويسرةً. و{الى السماء} أي إلى مادتها وجهتها. وأما فاء {فسواهن} فبالنظر إلى جهة التفريع نظير ترتب فيكون على كن، وتعلق القدرة على تعلق الإرادة والقضاء على القدر.
وأما بالقياس إلى جهة التعقيب فايماء إلى تقدير ونوّعها ونظّمها ودبّر الأمر بينها فسوّيهن. إلخ.
وأما سوّى أي خلقها منتظمة مستوية متساوية في أن أعطى كلاّ ما يناسب استعداده ويساوي قابليته. وأما هن فايماء إلى تنوع مواد السموات. وأما {سبع} فيتضمن الكثرة والمناسبة مع الصفات السبع ومع الأدوار السبعة في تشكلات الأرض. و{سموات} أي اللاتي هن رياض لأزاهير الدراري وبحار لسِماك السّيارات ومزرعة لحبّات النجوم.
أما جملة {وهو بكل شيء عليم} فواو العطف المقتضية للمناسبة إشارة إلى وهو على كل شيء قدير فهو الخالق لهذه الاجرام العظيمة، وهو بكل شيء عليم فهو النظّام المتقن للصنعة فيها.
وباء الالصاق إشارة إلى عدم انفكاك العلم عن المعلوم. وأما كل فهو العام الذي لم يخص منه البعض. وقد خص قاعدة وما من عام إلا وقد خُصَّ منه البعض وإلا لكانت هذه القاعدة بحيث إذا صدقت كذّبت نفسها نظير الجذر الأصم الكلاميّ ولفظ {شيء} يعم الشائيّ والمشيءَ وما ليس بهذا ولا بذاك كالممتنع. و{عليم} أي ذات ثبت له لازمًا منه العلم. اهـ.